كتبت غادة عجيل مقالة ترجمتها عن ميدل إيست آي، حيث روت أن مقتل المصور الصحفي الفلسطيني حسام المصري هذا الأسبوع لا يمثل فقدان حياة فحسب، بل خسارة لصوت وحقيقة كان يوصلها إلى العالم. اجتمع المشيعون أمام بيته في خان يونس الغربية، لكن مشهد العزاء بدا ناقصاً؛ فلا تمر ولا قهوة، إذ جعل الحصار والقصف حياة الناس باهظة حتى في أبسط تفاصيلها.

أوضحت ميدل إيست آي أن حسام قُتل يوم الاثنين مع أربعة صحفيين آخرين بينهم مراسلاها محمد سلامة وأحمد أبو عزيز، بعدما دُمّر منزله سابقاً بالقصف الإسرائيلي. جلست أسرته المصدومة على قطع حجارة وسط أقمشة ممزقة، فيما تذكرت ابنته شذى أن والدها كان سيكمل عامه الخمسين العام القادم. قالت: “عاش أبي عشرين عاماً يحمل الكاميرا ليُري العالم غزة، فقتلوه لأنه فضح الحقيقة”.

قصف الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خان يونس في اليوم نفسه عبر ضربة مزدوجة قتلت 21 شخصاً، بينهم الصحفيون الخمسة. أصاب الصاروخ الأول المستشفى عند الحادية عشرة صباحاً، وبعد دقائق بينما هرع الأطباء والمسعفون لإنقاذ الجرحى، سقط الصاروخ الثاني مسبباً مزيداً من القتلى بينهم طالب طب في سنته السادسة. أوضح المقال أن الاستهداف المزدوج يختصر النهج الإسرائيلي في ضرب من يشفي ومن يشهد، معاً.

روى الكاتب أن شقيقه الطبيب كان في قسم الأشعة أثناء القصف، وواصل علاج الجرحى رغم اهتزاز المبنى. هذا المشهد يجسد الحرب المعلنة على الحقيقة، حيث تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 معركة بروباجندا شرسة، تحاول عبرها تشويه سمعة كل شاهد على المجازر، حتى وكالة غوث اللاجئين (أونروا) طالها الاتهام. كما منعت إسرائيل دخول الصحفيين الدوليين إلى غزة، ما سمح للمعلومات المضللة بالانتشار، وفق تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

كشف تقرير لمجلة +972 عن وحدة عسكرية خاصة تتولى تعقب واستهداف الصحفيين الفلسطينيين. الأدلة، بحسب التقرير، قوية، والنتيجة مروعة: أكثر من 270 صحفياً وإعلامياً قُتلوا في غزة منذ أكتوبر 2023، وهو عدد يتجاوز كل ما سُجل في حروب القرن العشرين بما فيها الحربان العالميتان وحرب فيتنام وأفغانستان.

منظمات حرية الصحافة دقت ناقوس الخطر؛ فقد وصفت لجنة حماية الصحفيين الوضع بأنه “أكثر نزاع دموي ضد الإعلاميين في التاريخ”، وأكد الاتحاد الدولي للصحفيين أن معدل الوفيات بين الإعلاميين بلغ 10% منذ أكثر من عام. أما منظمة مراسلون بلا حدود فقد رفعت شكاوى للمحكمة الجنائية الدولية. لكن رغم الصدمة العالمية، لم يظهر تحرك دولي منسق يرقى إلى حجم الجريمة.

القانون الدولي واضح: قتل الصحفيين جريمة. ومع تراكم الأدلة لم يعد أي طرف قادراً على الادعاء بالجهل. لذلك يفرض الواجب أن يتحول الحزن إلى فعل، وأن تتحمل الدول مسؤوليتها في حماية الحقيقة الفلسطينية المهددة بالإبادة. يقترح بعض الإعلاميين إضراباً عالمياً مؤقتاً عن بث الأخبار للفت الأنظار إلى هذه المجازر بحق الصحافة.

أشارت غادة عجيل إلى أن هذه الاغتيالات ليست عشوائية؛ فالمصورون في غزة يعتلون الأسطح ليبثوا الصور، فيحوّلهم القصف إلى أهداف مباشرة. كل صحفي صامت يعني قصة مسروقة وقطعة ضائعة من الحقيقة، في محاولة منهجية لطمس الرواية الفلسطينية.

المقالة شددت على أن قتل الصحفيين استمرار لمسار قرن من محاولات محو الذاكرة الفلسطينية: تهميش الشهادات، طمس الأرشيفات، ومصادرة الحق في رواية التاريخ. ضربة الاثنين على مستشفى ناصر، التي قتلت صحفيين وأطباء ومسعفين، تمثل جريمة جسيمة وانتهاكاً فاضحاً لاتفاقيات جنيف، وجزءاً من نمط متكرر لا استثناء.

اختتمت غادة بقولها إن ما جرى لحسام وزملائه ليس شخصياً فقط بل سياسي بامتياز، إذ يندرج ضمن مسعى إسرائيلي لإسكات الصوت الفلسطيني. استمرار تدفق السلاح والدعم السياسي من الغرب يجعل هذه الدول شركاء فاعلين في الجريمة لا مجرد متفرجين. فرض العقوبات ووقف تصدير السلاح ليس خياراً بل التزام أخلاقي وقانوني. التضامن مع الصحفيين الفلسطينيين ومطالبة العالم بمحاسبة إسرائيل صار أقل ما يمكن فعله من أجل حماية الرواية الفلسطينية من محو كامل.
https://www.middleeasteye.net/opinion/every-time-israel-kills-palestinian-journalist-we-lose-piece-our-truth